تقديم :
يعتبر كتاب بلوش الإصدار النقدي الثاني الذي خصص كليا للفيلم الأمازيغي، بعد إصدار الأستاذ عمر إذثنين المعنون ب " الفيلم الأمازيغي"، وهي خطوة محمودة لأستاذ عشق السينما، وساهم بشكل كبير في تأسيس الوعي الفني السينمائي بالجنوب المغربي عبر إسهاماته النقدية في الكثير من الجرائد الوطنية والأجنبية،و انخراطه في الأندية السينمائية، وهو الذي أسس لأول تجربة في الأندية السينمائية بمدينة العيون سنة 1998. الأستاذ بلوش ينتمي لأسرة مناضلة محبة للثقافة، يساهم إلى جانب أفراد آخرين من أسرته الكبيرة ببلدة إيفران الأطلس الصغير في الدفاع عن الثقافة الأمازيغية والتعريف بها في كل الملتقيات، وهو من المثقفين القلائل الذين أولوا اهتماما كبيرا للشأن السينمائي في شقه الأمازيغي، وما هذا الكتاب الذي نحن بصدد مناقشته إلا ثمرة تلك المجهودات التي بذلها، ويبذلها من أجل مستقبل زاهر للفيلم الأمازيغي خاصة والمغربي عامة. يأتي هذا الإصدار في وقت لا نجد فيه أثر للإبداعات النقدية المتعلقة بالفليم الأمازيغي، ولنا أمل في إصدارات جديدة في المستقبل تتناول نفس الموضوع من زوايا أخرى للأستاذ بلوش وأساتذة آخرين. لملء الفراغ الذي تعاني منه الساحة فيما يخص الفيلم الأمازيغي، نشير إلى أن الفضل يعود أيضا لمهرجان إسني ن وورغ بأكادير الذي يولي الكثير من الأهمية للإبداع السينمائي الأمازيغي. قسمت هذه القراءة إلى قسمين الأول متعلق بالجانب الشكلي والثاني مرتبط بالجانب المضموني والمنهجي.
الجانب الشكلي :
الغلاف:
يعتبر الغلاف من العناصر الأساسية التي يتم الاهتمام بها في أي كتاب من طرف المؤلف أو الناشر و يقال أن الكتاب يقرأ من غلافه ، فهو العنصر الذي تصطدم به عين القارئ في البداية. بالنسبة للكتاب الذي نتحدث عنه اليوم فإن الأستاذ بلوش اختار غلافا يتكون من صورة لحرف " ياز" بتيفيناغ مكتوب في جدار بالجزء الأمامي ، بالإضافة إلى صورة شخصية و سيرة في ظهر الغلاف، و الباقي ملون بالأسود والبني الداكن والفاتح، وهي تشكيلة غير مناسبة في نظري إذ كان من الممكن اختيار لون فاتح مع التركيز على أيقونة لها علاقة مباشرة بموضوع الكتاب فالحرف الامازيغي "ياز " له ارتباط بالثقافة الأمازيغية في شموليتها، وليس فقط بحقل السينما اللهم إذا كان الناقد يقصد بهذه الداكنة التعبير عن الوضع الهامشي للفيلم الأمازيغي ضمن اهتمامات المؤسسات المسؤولة. كما أن سيرة ظهر الغلاف بدت طويلة شيئا ما، وكان من الممكن تلخيصها أو جعلها داخل الكتاب. ملاحظة أخرى في الغلاف وهي حجم الخط الذي كتب به اسم الكاتب فهو غير واضح، و لم يسمح لون الغلاف ببروزه بشكل جيد للقراء.
العنوان :
دراستنا للغلاف تجعلنا نقف عند العنوان الذي يتكون من مكونين أساسيين، الأول هو الفيلم الأمازيغي و الثاني هو أسئلته ورهاناته. و بالتالي فالكاتب استحضر مسألة أساسية تتعلق بصعوبة الحديث عن السينما الأمازيغية، وهو خطأ تسقط فيه للأسف بعض الكتابات الصحفية، وبقدر ما انتبه إلى هذه النقطة، فإنه أغفل بنظرنا مسالة أخرى تتعلق بهوية الفيلم الأمازيغي فعندما نقول الفيلم الأمازيغي فإننا نقصي الطابع الامازيغي عن الأفلام المغربية الناطقة بالفرنسية أو بالدارجة المغربية، كما أن الحديث عن الفيلم الامازيغي قد يجعل البعض يعتقد أنه يتحدث عنه في الجزائر أو ليبيا. وكان من الممكن أن يكون العنوان: الفيلم الأمازيغي بالمغرب و أسئلته أو أسئلة الفيلم الأمازيغي بالمغرب.
قبل الدخول في ثنايا المواضيع التي تناولها الكتاب لا بد من الإشارة إلى بعض الملاحظات الشكلية الأخرى :
أولا : طريقة التقديم : هناك إغفال للجانب الشكلي للفقرات أو ما يسمى ب mise en page .
ثالثا: هناك فقرات غير مكتملة. وترقيم غير تام في الصفحة ص 4 و 62.
رابعا : الفهرس لا يتضمن ترقيما كاملا للصفحات، بل وضع ترقيم خاص بصفحات بداية الفصل الأول والثاني فقط .
الجانب المضموني والمنهجي :
قدم الكاتب عمله بتمهيد قصير يتحدث فيه عن الحضور الملحوظ للإبداع الفيلمي الأمازيغي في السنوات الأخيرة، لكن يتم تجاهله من طرف النقاد، ودعا إلى الاهتمام به.
قسم الكتاب إلى فصلين : الفصل الأول عنونه بقضايا وأسئلة عامة. في حين خصص الفصل الثاني لتحليل نماذج فيليمية مختارة.
تناول الأستاذ بلوش في الفصل الأول بعض القضايا العامة المرتبطة بالفليم الأمازيغي حيث توقف عند حضور الأمازيغية والأمازيغ في بعض الأفلام الكولونيالية، ويخلص
إلى أنها استحضرت الأمازيغية والأمازيغ بشكل فولكلوري، حيث استغل المخرجون فضاءات المغرب ، ديكوره وشخصياته لشرعنة الاحتلال. ومن بين الأفلام المدروسة نذكر فيلم السعدية/ ألبيرت ليون 1953/ الهجوم الأخير روسن وفلوري1949/ فيلم " حب في المغرب" إنتاج فرنسي أمريكي ويؤكد الأستاذ على ضرورة مواصلة البحث في المتن الفيلمي الكولونيالي لتفكيك خطابه أكثر .
تحدث الكاتب عن إشكالية أخرى مرتبطة بحدود الإبداعية في المحكي الفيلمي الامازيغي، وقد تناول ذلك من خلال التركيز على بعض الأفلام الناطقة بالأمازيغية التي لاقت نجاحا كبيرا في السوق مثل فيلم "بوتفوناست والأربعون حرامي" حيث أشار إلى أن حكاية الفيلم مقتبسة من الأدب الشعبي مع تغييرات بسيطة في المضامين لملائمة الأحداث مع الواقع الأمازيغي. أعطى أيضا أمثلة أخرى لأعمال أخرى اقتبست الحكاية من أفلام مصرية وخليجية، والإشكال الكبير حسب الكاتب أن المخرجين لا يفصحون في الجنيريك عن أصل النص المعتمد عليه، ويبقى فيلم " أكال" لأحمد أمل الاستثناء في هذا الباب لأنه أفصح أن قصة الفيلم أخذت من أعمال توفيق الحكيم، لكنه وقع في ما هو أفدح بعدم ذكر اسم مؤلف بعينه لأن توفيق الحكيم له كتب كثيرة . يخلص الكاتب إلى أن الساحة السينمائية الأمازيغية ابتليت بأعمال رديئة جدا، وهذا ما أساء إلى الأمازيغية ويرى بأن الكثير من المتطفلين على الإبداع السينمائي دخلوا غمار الإنتاج الفيلمي بدون مؤهلات علمية. وأكد الناقد على ضرورة نقد هذه الأعمال والتصريح بذلك دون خجل من أصحابها لأن مهمة الناقد تتجاوز الأشخاص، و يضيف أن من بين مظاهر الرداءة في هذه الأعمال أن الكثير منها تم تصويره بدون سيناريو مسبق، وحتى تلك التي اعتمدت السيناريو فإنه سيناريو بالاسم فقط. ويعطي مثالا بفيلم " حمادينو" الذي أخرجته ممثلة تتميز بريبرتوار رائع، لكنها تسرعت عندما اتجهت نحو الإخراج. نفس الملاحظات سجلت على فيلم " ءيلامن زمانين" للمخرج إبراهيم الحنوضي الذي جمع بين الخرافي وبين العلمي دون سلاسة في الحكي. يخلص الكاتب في هذا تناوله لهذا الإشكال إلى أن ما ينتج من أفلام أمازيغية، غالبا ما يدخل في إطار تداريب الهواة ويدين الفئة المثقفة التي تكتفي بالتفرج على الرداءة دون نقدها، علما أن ذلك يسيء للثقافة الأمازيغية. كما رأى أن الوصول إلى العالمية سيظل مستحيلا إذا اعتمدنا على هذه الإنتاجات الضعيفة.
تناول الكاتب أيضا موضوع الفيلم المغربي الأمازيغي القصير ، ويرى أن هذا الجنس يعرف ضعفا كبيرا على المستوى التقني والموضوعي. وما يلاحظ هو أن الكاتب استعمل في العنوان الفيلم المغربي الأمازيغي القصير لكنه في متن الدراسة حذف كلمة المغربي وهذا ما يؤكد على ضرورة الاهتمام بالمفاهيم المرتبطة بالفيلم الأمازيغي والمغربي عموما. رغم نظرته السلبية في تشخيص واقع الفيلم الأمازيغي القصير ، يرى أن هناك ما يبشر بالخير بسبب ظهور مخرجين شباب تلقوا تكوينا علميا محترما مثل مليكة وديري وعبد اللطيف فضايل .... حلل المخرج فيلم "مختار" لوديري مليكة، وفيلم " ءاييس إينو" و في نظرنا كان من الممكن أن يترك التحليل إلى الفصل الثاني وهو نفس الشيء بالنسبة للأفلام الكولونيالية.
خلص الكاتب إلى ضرورة الاهتمام بالفيلم الأمازيغي القصير، ودعمه لأن المخرج في الغالب يتحمل تكاليف التصوير والمونتاج لإخراج فيلمه إلى الوجود، وسجل ملاحظة حول حجب جائزة الفيلم الأمازيغي في مهرجان إسني ن وورغ بأكادير سنة 2010، بدعوى أن الأفلام المتبارية لم تنتج في نفس السنة ، وهي إشكالية كان من الممكن تجاوزها لأن الأفلام يصعب تحديد زمن إنتاجها عكس الروايات أو الدواوين الشعرية.
تضمن الكتاب دراسة حول موضوع الإخراج في الفيلم الأمازيغي وأشار فيها إلى تهميش الجمعيات الثقافية الأمازيغية للفيلم الأمازيغي وهي ملاحظة هامة لأن مئات الجمعيات الثقافية الأمازيغية التي أسست للدفاع عن الأمازيغية همشت الجانب الثقافي السينمائي والمسرحي لأن مسؤوليها لم يستوعبوا أهميتها في تبيلغ خطابها إلى جمهور واسع قد لا يصله نفس الخطاب بالارتكاز على أنشطة أخرى فقط . كما استحضر قلة نقاد الفيلم الأمازيغي رغم تراكماته. يفسر بلوش دعم أول فيلم ناطق بالأمازيغية من طرف المركز السينمائي المغربي بضغط الحركة الأمازيغية التي طالبت بحق الأمازيغية في الإعلام وفي إبداعها الفني.
خصص الناقد دراسة أخرى عن الفيلم الامازيغي بين الرداءة والنضج. يرى من خلالها أن الكثير من الأعمال تتميز برداءتها بسبب تأخر القنوات العمومية في الإنتاج، وبحث المنتجين عن الأرباح دون الاهتمام بالجودة، وتتجلى عدم مهنية هذه الأفلام في اقتباس الأفكار من أفلام عالمية دون التصريح بذلك. بسبب رداءة بعض الأعمال يتهرب أصحابها من المشاركة في المهرجانات والحوارات الإذاعية خوفا من أسئلة الصحافيين و النقاد، كما توقف عند موضوع الدعم والفيلم الأمازيغي ويرى أن المهرجانات التي تهتم بالفيلم الامازيغي قليلة، وأن المتواجد منها لا يحصل على الدعم اللازم من طرف المركز السينمائي المغربي، عكس مهرجانات أخرى تنظم بنفس المعايير وتحصل على الدعم الكبير.
يلح على أهمية هذه المهرجانات بالنسبة للفيلم و يدعو كذلك إلى الضغط للحصول على الدعم الكافي. ويحمل في نفس الوقت المسؤولية للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي ينتظر منه الفيلم الأمازيغي ومهرجاناته المزيد من الدعم، ما دام أن مسؤوليه يرجعون الكثير من الأموال إلى خزينة الدولة بسبب عدم صرفها. تحدث أيضا عن لجن الدعم التي يجب أن تتكون من أفراد يعرفون الأمازيغية لكي يتم إنصاف السيناريوهات الأمازيغية التي يتقدم أصحابها بطلبات للدعم. إضافة إلى هذا استغرب الكاتب كيف أقصيت الأفلام الأمازيغية من الدعم مع العلم أن المركز السينمائي المغربي كان يحصل على الضرائب لكي يعطي الرخصة لتصوير أفلام الفيديو.قبل أن تعفى من ذلك وهو ما كان يتم أيضا بالنسبة للقنوات التلفزية فالمغاربة كانوا يؤدون الضرائب دون أن يتم بث ثقافتهم في برامجها .
تحدث الأستاذ بلوش عن دور فرقة مسرح " تيفاوين" بأكادير في تكوين قاعدة من الممثلين الذي تألقوا في الأفلام الأمازيغية ويعطي المثال بفيلم " تمغارت ن وورغ" الذي شكل ثمرة فيلمية لأعمال فرقة تيفاوين المسرحية. وأشار كذلك إلى بروز نجومية بعض المغنيين في التمثيل " محمد اباعمران/تاشينويت وتابعمرانت"".
نبه أيضا إلى أن الكثير من المخرجين للأفلام الناطقة بالأمازيغية يختارون التصوير في الفضاءات القروية بدون مبررات فنية وإبداعية وإنما يتم ذلك لأسباب مادية.
الفصل الثاني ضمنه الكاتب قراءات في بعض الأفلام مثل فيلم" طارق أخي" الذي جمع بين المتخيل وبين التاريخي في تناول قضية طارق بن زياد الذي قاد الجيوش الإسلامية إلى الأندلس.
كما حلل الكاتب فيلم" زرايفا" للمخرج عبد العزيز وسايح، وهو فيلم يحكي قصة امرأة تتحول إلى حيوان ليلا بسبب عدم التزامها بشروط الحداد بعد وفاة زوجها وناقش حضور المرأة في الشريط كما أشاد باشتغال السايح على الثقافة الشعبية الأمازيغية في أبعادها غير المادية.
قدم الكاتب أيضا قراءة نقدية لفيلم " أكال" للمخرج أحمد أمل، والذي اعتبره أو ل فيلم يقتبس من الأدب المكتوب رغم أنه لم يحدد الكتاب الذي أخذت منه الفكرة. وهي فكرة تحدث عنها في الفصل الأول من الكتاب. و حسبه كشف فيلم" أكال" عن صعوبة المعالجة الدرامية للتاريخ أي أن المخرج كان عليه أن يتعاون مع أحد المؤرخين لضمان المعلومات الكافية، وعدم السقوط في مجموعة من الأخطاء مثل التهديد ببيع " الرهن" أو ما وقع في فيلم " الحاج بلعيد" الذي كان فيه نقص في التوثيق.
حلل الكاتب أيضا شريط " تابرات" للمخرج علي أيت بوزيد الذي يعالج موضوع الهجرة بعد الاستقلال، ومن بين الملاحظات التي ركز عليها ظهور شخصية اليهودي في الأفلام الأمازيغية. عرج الكاتب في قراءته على صنف الفيلم الوثائقي. وحلل فيلم " صدى الصمت " حول الكومبارس بمدينة ورزازات وكيف رصد وضعيتهم المأسوية، ومعاناتهم مع العمل الموسمي. حلل أيضا فيلم " كلمات كالرصاص" الذي حاول توثيق تجربة إزنزارن، لكنه بسبب ضعف الإعداد للعمل قبل التصوير لم ينجح مخرجه حسب الناقد بلوش في تقديم الصورة الحقيقة لفرقة إزنزارن.
في الختام نؤكد مرة أخرى أن إصدار بلوش يشكل مبادرة تستحق التشجيع، لأنه جاء في وقت تقاعست فيه الكتابة النقدية عن تناول الفيلم الأمازيغي، وهو ما ينطبق على باقي الأجناس الإبداعية الأمازيغية الأخرى.